لعل أهم تنبؤ يمكن أن نستشرف به عام 2020، إن صح أن نطلق عليه تنبؤاً، هو استنفاد التوجهات. فلأول مرة منذ فترة طويلة، انتهت عدة توجهات مهمة. فما الذي أعنيه بهذا؟ تتعرض التوجهات لمد وجزر، لكن في أي لحظة قد يجسد كثير منها إحدى حالتين مميزتين، هما الزخم أو الرجوع إلى الضعف. والزخم يعني مواصلة التقدم السابق، سواء أكان صاعداً أم نازلًا. والحالة الثانية تمثل العودة إلى «العادي» مهما يكن تعريف العادي. لكن في مجالات كثيرة الآن لا وجود لأي من الحالتين.
ولنبدأ بسوق الوظائف الأميركية، فمنذ نهاية الركود، يواصل التوظيف تحسنه. وكان هذا رائعاً، لكن مع بلوغ البطالة الآن 3.5%، فهل هذا التوجه لديه مساحة أخرى للتقدم؟ لستُ متشائماً بشأن الاقتصاد الأميركي، لكن يمكنني القول إن التنبؤ باتجاه التقرير التالي عن الوظائف الأميركية أصعب الآن من المعتاد.
وماذا عن العلاقات مع الصين؟ في السنوات القليلة الماضية، كان من السهل إلى حد كبير أن نتوقع أن العلاقات الأميركية الصينية ستواصل تفاقمها. لكن مع احتمال توقيع اتفاق تجارة أميركي صيني في وقت لاحق هذا الشهر، لم تعد هذه مراهنة مؤكدة. لكني أميل إلى الاعتقاد بأن الصفقة لن تصمد وربما قد تتسبب في فترات جديدة من الصراع المكثف. وهناك احتمال معقول بأن يكون الزخم السلبي قد تراجع. ومهما يكن فالتوجهات الجديدة لا تساعد بالضرورة في تقديم تنبؤات.
ونمو الاقتصاد الصيني يمثل قضية كبيرة أخرى، حيث أصبحت التوجهات السابقة بلا قيمة معرفية فيما يبدو. وعلى مدار فترة طويلة، فالتنبؤ الجيد والذي تم التحقق منه باستمرار هو أن «الاقتصاد الصيني سيواصل نموه بسرعة». وبعد ذلك «سيتباطأ». والآن هناك مؤشرات متباينة. ففي جانب، تتفاقم مشكلات ديون الشركات، وفي جانب آخر، هناك ما يشير إلى أن الاقتصاد الصيني مستقر. ويستطيع المرء أن يجادل بأن هذا أحد طريقين، لكن النظر إلى التوجهات الأخيرة لن يحسم الأمر.
وربما اعتقد المرء بأن الهند كانت تمثل مرشحاً جديداً للاقتصاد الصاعد، ولعلها مازالت. لكن تبين أن كثيرا من بيانات الاقتصاد الهندي كان مبالغا فيها ومعدل النمو الهندي الحقيقي ربما يكون قريباً من 4% وليس 6% أو 8%. وهنا مرة أخرى، لن يكون التوجه الماضي (المفترض) ذي دلالة مفيدة. وبالمثل فإن التوجه المحتمل لأفريقيا، باعتبارها المنطقة المهمة المقبلة، لم يتجل بعد في سلاسل متواصلة من أرقام النمو الاقتصادي. فاقتصاد غانا وأثيوبيا يحقق تقدماً جيداً، لكن معدل النمو في مناطق أخرى من القارة محبط، فأكبر اقتصاد في أفريقيا، وهو نيجيريا، حقق نمواً بنسبة 2% فقط العام الماضي.
وكان أحد التوجهات الكبيرة يتمثل في صعود الأحزاب الشعبوية اليمينية في كثير من البلدان. وظل هذا تنبؤاً راسخاً إلى حد كبير على مدى سنوات. لكن الآن هناك أدلة على أن شعبية هذه الأحزاب لم تعد تتزايد. فهل تتقهقر الشعبويات مع تبني أحزاب التيار الرئيسي قائمة أولوياتها أم أنها مجرد استراحة قصيرة؟ أود القول هنا مرة أخرى أن التوجه السابق فقد قوته، وهذه لحظة جديدة من الصعب التنبؤ بها.
هل هناك حالات مقابلة مازال يتمتع فيها توجه مهم بقوة كبيرة؟ حسناً، هناك توجه انبعاثات الكربون، فمن شبه المؤكد أن تتفاقم الانبعاثات قبل أن تتحسن. وهناك درجات الحرارة أيضاً، فالبيانات العالمية أظهرت أن هناك فترات دورية ثابتة في درجات الحرارة، بل وتراجعاً قبل أن يتجدد الارتفاع. ولذا، في المدى القصير على الأقل، فالتنبؤ في هذا المجال ليس كبيراً كذلك. ولذا، فالعام المقبل قد ينطوي على عدد كبير من المفاجآت. لكن هذا يثير الخوف، فالأداء السابق لا يقودنا إلى نتائج المستقبل، كما يقولون في وول ستريت، وهذا ربما يصح أكثر على عام 2020.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»